ليس هذا الكتاب سجلًّا لتاريخ الدولة الفاطمية التي حكمت (مصر ) زهاء قرنين؛ ولكنه محطات توقفتُ عندها أنا وأصحاب هذه الدولة من بدايتها إلى نهايتها، وتركت فى الوجدان المصري آثارًا لا تزال ماثلة فى الثقافة الشعبية. ويغفل الناس عن الدعاوى الدينية والمذهبية التى جاء بها الفاطميون على أسنة الرماح، وفرضوها على الشعب بمقتضى (حق الفتح )؛ الذي يعطي للدولة الغالبة سلطة تغيير الموروث الثقافي والاجتماعي، وما كان للفاطميين أن ينجحوا في غلبة (مصر ) لولا ضعف النظام الحاكم، وغفلة الشعب المحكوم. إنه درس لا ينبغي أن ننساه، وهو أن التهاون فى الدفاع الوطني، والاستقلال الذاتي، يؤدي إلى ضياع الوطن، وخضوعه لكل طارق مشبوه.
كان المصريون - قبل الغزو الفاطمي - لا يقيمون احتفالات أو مهرجانات للمناسبات الدينية، وإن احتفلوا يكن ذلك في إطار الوقار، كتلاوة القرآن وترديد الأدعية؛ فلما جاء الفاطميون جعلوا من هذه المناسبات فرصة للتباريح، وصناعة أنواع مختلفة من الحلوى لكل مناسبة، كالكنافة والقطايف برمضان، والعاشوراء احتفالًا بيوم (عاشوراء )، كما قاموا ببناء القصور العظيمة، وعاشوا حياة الأُبهة والترف، ولكن ذلك لا يجعلك تظن أن الفاطميين كانوا أهل لهوٍ وعبث؛ فقد كان (المعز ) رجل دولة من الطراز الأول، وإلا ما كان له أن يقيم هذه الإمبراطورية الشيعية من (المغرب ) إلى (مصر ) ، ثم (الشام ) و (أرض الحرمين )، وكان العصر الفاطمي في مصر من أزهى العصور الإسلامية إن لم يكن أزهاها.
كانت هذه الاحتفالات والقصور الفخمة لإغراء المصريين؛ حتى ينصرفوا عن البحث في طبيعة النظام الجديد وأهدافه ومراميه، ومن مظاهر دهائهم أيضا: الظهور بمظهر التسامح الديني في بادئ الأمر، وأنه لن يتدخل أحد في شئون المصريين الدينية السنية، ولكن النظام الجديد بعد أن ثبت أركانه، بدأ يتدخل في الشئون الدينية، وعمل على استمالة المصريين إلى المذهب الرسمي للدولة؛ حتى يصبح الشعب المصري شيعيا على دين ملوكه، ومع ذلك لايستطيع مؤرخ واحد أن يجزم أن الفاطميين استطاعوا أن يخرجوا المصريين من كهف السنة إلى كهف التشيع، على الرغم من نجاحهم في توطيد حكمهم قرابة القرنين، كما ادَّعوا أن الحاكم يعلم الغيب، واتجهوا إلي تأليهه - وهو مذهب الشيعة - ، ولكن المصريين كانوا يسخرون من ذلك بطريقتهم المعهودة، ويُرْوَي في ذلك أن الخليفة (العزيز ) صعد إلى المنبر فوجد رقعة مكتوبًا فيها:
بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أُعْطِيْتَ علم غيبٍ ... فَقُل لنا كاتب البطاقة
عُرف المصريون بموقفهم المضاد للتيار الشيعي منذ أحداث الفتنة الكبرى، التي وقعت بعد اغتيال (عثمان بن عفان )، ولكنَّهم مع ذلك رحبوا بالجيش الفاطمي؛ فخرجوا إلى مشارف (الإسكندرية ) لتهنئة (جوهر الصقلي ) بسلامة الوصول، ويبدو أن ذلك كان بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، أثناء حكم وبعد موت ( كافور ) - كانت (مصر ) قبل الفاطميين واقعة تحت حكم الإخشيد إلى أن آلت الأمور إلى (كافور ) العبد الخَصِيّ خادم الإخشيد - حتى اشتد اليأس بأهل (مصر )، ومدوا يدهم إلى المنقذ حتى لو كان أجنبيًا، كما ساعد تهاون الإخشيد مع (جوهر الصقلي ) مقابل الأمان على دخول الفاطميين (مصر ) دون عناء. والجدير بالذكر أن الفاطميين حاولوا عدة مرات دخول (مصر ) ، ولكنَّهم لم يفلحوا إلا في أواخر حكم الإخشيد.
قال (المعز ) لـ (جوهر الصقلي ) وهو متجه إلى (مصر ): "لتدخلن (مصر ) بالأُردية من غير حرب، ولتنزلن في خرابات (ابن طولون )، وتبني مدينة تسمى (القاهرة ) تقهر الدنيا "، وبالفعل فما كاد يدخل (مصر )، حتى اختار الفضاء الواقع بين سفح (الدراسة ) و (شط الخليج ) - شارع (بورسعيد ) حاليًا - ليكون محلًا للمدينة الجديدة؛ فبنى قصر (المعز ) على مساحة سبعين فدانًا، وبنى سورًا من أربعة أضلاع، لكل ضلع بابان . وعلى الجانب الغربي شيد (العزيز ) - ابن (المعز ) - قصرًا آخر، وأُقيم ميدان في الفضاء الواقع بين القصرين، سُمِّيَ (ميدان بين القصرين )؛ لتتجمع فيه الجيوش المسافرة، أو حرس الخليفة، أو طوائف الشعب في الاحتفلات.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان